في أعقاب اغتيال كيرك.. تهديدات عنصرية تستهدف الطلاب السود بالجامعات الأمريكية
في أعقاب اغتيال كيرك.. تهديدات عنصرية تستهدف الطلاب السود بالجامعات الأمريكية
في الساعات التي تلت مقتل الناشط السياسي الأمريكي تشارلي كيرك خلال فعالية جامعية، تصاعدت موجة تهديدات عنصرية موجهة ضد طلاب سود وعدد من الكليات التاريخية في الولايات المتحدة، ما اضطر عدة مؤسسات إلى الإغلاق الطارئ أو فرض أوامر ملاصقة للبقاء في أماكنهم وإلغاء الأنشطة الدراسية لحماية الطلبة والعاملين.
التهديدات جاءت متزامنة وفي بعض الحالات موجهة بوضوح إلى مجموعات عرقية، في حين وصفت وكالات التحقيق الفيدرالية الكثير منها بأنه مكالمات احتيالية لكنها أكدت أنها تتعامل معها بجدية تامة لخطورتها وتأثيرها في الأمن العام وحياة الطلبة وفق ما أوردته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
حسب تقارير إعلامية ورسمية، شملت موجة التهديدات مؤسسات تعليمية مثل جامعة هامبتون، وجامعة ولاية ألاباما، وجامعة ساوثرن في باتون روج، وعدداً آخر من الكليات المصنفة تاريخياً كمؤسسات سوداء، إلى جانب تسلم طلاب في جامعات غير تاريخية رسائل تهديد مباشرة استهدفتهم على خلفية عرقهم.
وشملت الإجراءات الأمنية إغلاق الحرم، تعليق الدروس ونشر قوات أمنية محلية وفيدرالية، في حين أورد مكتب التحقيقات الفيدرالي أن التحقيقات مستمرة وأنه لم تظهر حتى الآن دلائل على تهديدات موثوقة، لكنه وصف المكالمات بأنها خدعة لا تقل خطورتها على السلامة العامة، وهذه المواجهة أعادت إشعال الذكرى المؤلمة لأمواج تهديدات سابقة طالت مؤسسات سوداء، وأظهرت قدرة أعمال الكراهية الرقمية على تعطيل حياة آلاف الطلبة.
أسباب الظاهرة
تحليل أسباب هذه الموجة لا ينفصل عن السياق الأوسع للقطبية السياسية وانتشار خطاب عدائي على منصات التواصل في الولايات المتحدة، إضافة إلى تكنولوجيا تُسهّل المكالمات المجهولة والإبلاغ الكاذب عن حادثة طوارئ التي تتنامى في الممارسات الإجرامية الرقمية.
ويحذر خبراء الأمن من أن الجو المشحون سياسياً، والتصريحات الاستقطابية، والأخبار المضللة، كلها تسرّع انتقال العنف من العالم الرقمي إلى مهددات واقعية تُجبر مؤسسات تعليمية على تعليق رسالتها التعليمية حفاظاً على الأرواح، في خلفية هذا المشهد أيضاً تاريخ طويل من العنصرية المؤسسية والعنف الرمزي والفعلي ضد مجتمع الطلاب ذوي البشرة السوداء في الولايات المتحدة، ما يجعل التهديدات الحالية امتداداً لتراكمات أمنية واجتماعية.
هذه الحوادث تذكّر بموجات سابقة ففي 2022 تلقّت مجموعة من الكليات الخاصة بالطلاب من ذوي البشرة السوداء تهديدات وقُيد تحقيق في سلسلة مكالمات تهديدية، وفي حالات لاحقة شهدت بعض المؤسسات هجمات ومضايقات عنيفة أو عمليات سواتينغ أو الإبلاغ الكاذب عن حادثة طوارئ أوقفت الدراسة مؤقتاً، ويعكس التكرار أن البنى الوقائية ليست كافية، وأن الاستجابة الأمنية وحدها لا تكفي لاحتواء تأثيرات هذه الخدع على عالم التعليم الأسود ومجتمعاته.
التداعيات النفسية والاجتماعية
الإغلاق المؤقت للحرم الجامعي يعني خسارة ساعات تعليمية، وتعطلاً للمواعيد الأكاديمية، وإضعاف برامج البحث والمنح الدراسية، وأبعد من ذلك، يترك هذا النمط أثره النفسي من خلال الشعور بالخطر الدائم، واضطراب في الصحة العقلية، وقلق مجتمعي ممتد بين الطلاب والعائلات، وقد انتقدت مؤسسات حقوقية وتنظيمات طلابية التعامل البطيء أحيانًا في إبلاغ الطلاب بالمخاطر، واعتبرت أن غياب الشفافية يزيد من الإحساس بالخطر ويهبط بمستوى الثقة بين الطلبة والإدارة.
وأصدرت منظمات حقوقية بارزة بيانات إدانة ودعوات للتحقيق السريع، حيث وصف صندوق الدفاع القانوني للـNAACP التهديدات بأنها عنف عنصري موجه وطالب بمساءلة سريعة وبتدابير حماية فعّالة للمؤسسات والطلاب، كذلك دعا أعضاء من المؤتمر الأسود في الكونغرس إلى تحرك فدرالي سريع وملاحقة المسؤولين قضائياً، معتبرين التهديدات تذكيراً بضرورة حماية مؤسسات كانت تاريخياً هدفاً للتمييز، كما طالبت منظمات المجتمع المدني ومجموعات أمن الحرم بخطط استجابة موحدة وتنسيق أفضل بين الجامعات والوكالات الفيدرالية والمحلية.
الكراهية وقواعد الحماية
التهديدات التي تستهدف طلاباً بسبب عرقهم قد تُصنّف تحت قوانين جرائم الكراهية الفيدرالية، ومنها قانون منع جرائم الكراهية (قانون ماثيو شيبرد وجيمس بيرد) الذي يتيح مساءلة صحيحة عند ارتكاب عنف مبني على العرق و الهوية، إضافة إلى ذلك، تُلزم تشريعات مثل قانون كليري الجامعات بإبلاغ المجتمع الجامعي عن الحوادث التي تشكل تهديداً مستمراً، في حين تمنح صلاحيات قانونية لدوائر التعليم ومديرية الحقوق المدنية استقصاء حالات التمييز التي قد تؤثر في البيئة التعليمية، وهذه الأدوات متاحة لكن التطبيق والتمويل والالتزام المؤسسي يحددان فعالية الرد.
دعوات المنظمات تُجمع على نقاط عملية تشمل تعزيز التعاون الفيدرالي مع إدارات الجامعات في الوقت الحقيقي، تحسين أنظمة الإنذار والإبلاغ الطلابي، تسريع التحقيقات الإلكترونية لتعقب منشئي التهديدات وتقديمهم للملاحقة، وتوفير خدمات نفسية ودعم طارئ للطلاب المتأثرين، كما يطالب مدافعون بحقوق التعليم بتدابير وقائية طويلة المدى تشمل برامج مكافحة التطرف الرقمي، تعليم للسلامة الرقمية، واستثمارات في أمن الحرم بما لا يحول الحرم إلى مكان عسكري بل إلى بيئة آمنة وحاضنة للتعلم.
التهديدات المنسقة التي أصابت طلاباً وكليات سوداء ليست حوادث منفردة بل فصل آخر في مسلسل طويل من المخاطر التي تواجه مجتمعات التعليم الأسود، فالمعادلة الوطنية اليوم واضحة وتتجسد في أن حماية الحرم الجامعي تتطلب أكثر من قوة شرطة لحظة الخطر؛ وتحتاج إلى سياسات شاملة تدمج العدالة الجنائية، والأمن السيبراني، والصحة النفسية، وإنفاذ الحقوق المدنية، وأي تقاعس في الاستجابة يجعل من المؤسسات التعليمية هدفاً دائماً يضيع فيه حق الطلبة في التعليم الآمن، ويعكس أزمة أعمق في إدارة مجتمعٍ متنوع يطالب مؤسساته بحماية مساواة الحقوق واحترام الكرامة الإنسانية.